في انتهاك لحرية العبادة.. إسرائيل تمنع سكان غزة من أداء فريضة الحج للمرة الثانية في تاريخ القطاع

في انتهاك لحرية العبادة.. إسرائيل تمنع سكان غزة من أداء فريضة الحج للمرة الثانية في تاريخ القطاع

مدير أوقاف شمال قطاع غزة: أتممنا الاستعدادات والأمر متوقف على فتح معبر رفح

عضو اللجنة المشتركة: الأمور ستكون الأمور صعبة إذا ما دخلنا في بداية شهر ذي الحجة

حقوقي فلسطيني: إسرائيل تنتهك حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين 

مواطنون: ظروف الحرب والمجازر الإسرائيلية تحول بيننا وبين أداء المناسك

 

غزة- عبد الغني الشامي

للمرة الثانية في تاريخ قطاع غزة لم يتمكن حجاج القطاع من أداء مناسك الحج، بسبب الحرب التي يتعرض لها منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي وسيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح البري مع مصر، المنفذ الوحيد لسكان غزة على العالم الخارجي، والتي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان واستمرارا لمسلسل الانتهاكات الإسرائيلية بشأن حرية العبادة بحق المسلمين والمسيحيين على السواء.

كانت المرة الأولى التي لم يتمكن فيها حجاج قطاع غزة من أداء مناسك الحج عام 2008م بسبب خلافات سياسية عقب فوز حركة "حماس" في الانتخابات البرلمانية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية العاشرة.

يضاف إلى ذلك أن إدارة شؤون الحج في قطاع غزة فيها الكثير من التعقيدات بسبب وجود حكومتين الأولى تابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والأخرى تديرها حركة "حماس" من غزة من خلال لجنة حكومية، ما دعا الحكومتين إلى تشكيل لجنة مشتركة من وزارتي الأوقاف لتنسيق المواقف بينهما بالإضافة إلى شخصيتين اعتباريتين من غزة تتمتعان باستقلالية لتقريب وجهات النظر وحل أي مشكلات تعترض هذا الملف.

كما أنه يندرج تحت هذا الملف أصحاب شركات الحج والعمرة الذين يتابعون شؤون الحجاج منذ تسجيلهم حتى انتهاء المناسك وعودتهم إلى منازلهم وموعد سفرهم وتحركاتهم في الديار الحجازية، وكذلك القرعة التي تجرى لاختيار الحجاج نظرا للأعداد الكبيرة التي تسجل للحج في كل عام والتي تزيد على 22 ألف مواطن حسب آخر قرعة أجريت عام 2022م لاختيار 2500 حاج، هي حصة قطاع غزة التي تحددها المملكة العربية السعودية، بحسب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية التي تشرف على هذه القرعة العلنية والتي أجريت لعامي 2023م، 2024م.

وعلى الرغم من رفض وكيل وزارة الأوقاف في رام الله حسام أبو الرب التعليق على هذا الأمر، فإن مدير أوقاف شمال قطاع غزة الشيخ مرسي سلمان أكد لـ"جسور بوست" أنهم أتموا الاستعداد لهذا الموسم على الرغم من عدم تأكدهم من فتح معبر رفح.

وقال سلمان لـ"جسور بوست": "أسماء حجاج قطاع غزة الذين من المفترض أن يغادروا معروفة لأنه أجريت لهم قرعة علنية".

وأضاف: "في حال انسحبت قوات الجيش الإسرائيلي من معبر رفح البري قبل يوم عرفة بعدة أيام يمكن أن يتمكن الحجاج من السفر"، مشيرا إلى أن ذلك ينطبق على حجاج مكرمة خادم الحرمين الشريفين السنوية والمخصصة لأهالي الشهداء والأسرى وهي خارج القرعة.

فيما استبعد عضو اللجنة المشتركة الشيخ علي الغفري أن يتمكن حجاج قطاع غزة من أداء مناسك الحج هذا العام.

وقال الغفري لـ"جسور بوست":  استكمال إجراءات الحج، يحتاج إلى أيام ومع دخول شهر ذو الحجة ستكون الأمور صعبة".

 الشيخ علي الغفري

وأضاف مستدركا: "إذا قدر الله أن يخرج الحجاج من غزة وأن يكتب لهم الحج سيخرجوا، والنية لمن نوى".

وكشف عضو اللجنة المشتركة المستقل أن الترتيبات تجري لإخراج ذوي الشهداء والجرحى ممن تمكنوا من الوصول إلى مصر ضمن مكرمة العاهل السعودي السنوية على أن تكون الأولوية لمن هم في القرعة.

وأعرب عن أمله ألّا يحرم أهالي غزة أداء مناسك الحج هذا العام وأن يكتب الحج لمن نوى على حد قوله.

ويُعتبر التسجيل لأداء مناسك الحج في غزة واحدا من الصعاب التي يعاني منها الآلاف من سكان قطاع غزة نظرا للأعداد الكبيرة التي تسعى لذلك منذ سنوات والتي يزيد عددها على 22 ألف مواطن.

وقال المواطن أكرم بلبل (62 عاما) أحد الذين تم اختيارهم ضمن القرعة العلنية لأداء مناسك الحج هذا العام إنه منذ 12 عاما وهو يحاول التسجيل للحج ولكنه لم يتمكن بسبب ضغط العدد.

وأضاف بلبل لـ"جسور بوست": "تم تأجيلنا لأكثر من 10 سنوات من السفر للحج، وفي النهاية خرج اسمنا في القرعة لأداء مناسك الحج هذا العام، ولكن للأسف لم نتمكن من أداء مناسك الحج بسبب الحرب وإغلاق المعبر".

أكرم بلبل

وتابع: "أتممنا الاستعداد وجهزنا أنفسنا أنا وزوجتي ودفعنا جزء من الرسوم لحين استكمالها مع بدء السفر، ولكن بسبب الحرب وإغلاق المعبر أظن أننا لن نتمكن من أداء المناسك هذا العام".

وشدد بلبل الذي اضطر للنزوح من مدينة غزة إلى جنوب القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي على أنهم أصيبوا بخيبة أمل وإحباط شديد، لأنهم كانوا يتوقعون أن يسافروا هذا العام لأداء هذه الفريضة "ولكن ظروف الحرب والمجزرة حالت بيننا وبين هذا المنسك"، حسب قوله.

وأضاف: "آمل من الله أن تنتهي هذه المجزرة بأقرب وقت وأن نخرج منها سالمين ونؤدي شعائر الحج هذا العام، وإذا لم نتمكن تكون لنا الأولوية في العام المقبل".

ومن جهته أكد المواطن كمال دلول (64 عاما) أنه سعى للتسجيل للحج منذ 9 سنوات وأن اسمه خرج ضمن القرعة الأخيرة ليكون ضمن الفائزين بفريضة الحج هذا العام.

وقال دلول لـ"جسور بوست": "قبل القرعة الأخيرة التي تمت قبل عامين كنت أعتقد أنني ربما أتوفى قبل أن أؤدي فريضة الحج لأنني وصلت لمرحلة الإحباط من عدد المسجلين للحج والذي زاد عددهم على 20 ألف مسجل".

وأضاف: "بحمد الله كان اسمي ضمن القرعة الأخيرة على أن يكون نصيبي للحج هذا العام، ولكن يبدو أنها غير مكتوبة لي هذا العام بسبب سيطرة قوات الجيش الإسرائيلي على معبر رفح" وفق قوله.

وأعرب دلول عن أمله أن تنتهي العملية العسكرية في رفح قبل إغلاق الإجراءات الخاصة بالحجاج، مشيرا إلى أنه جاهز لذلك ومستعد على أمل أن تصله رسالة التوجه إلى المعبر.

وأضاف: "أتمنى أن تتوقف هذه الحرب ويتم إعادة فتح معبر رفح البري أولا وأتمكن من الوصول إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج لإسقاط هذه الفريضة عني".

واعتبر الحقوقي الفلسطيني نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت منع سكان قطاع غزة هذا العام من أداء فريضة الحج ليس جديدا على دولة إسرائيل في انتهاك حرية العبادة.

سمير زقوت

وقال زقوت لـ"جسور بوست": "هذا نهج ترتكبه السلطات الإسرائيلية بانتهاك أبسط حقوق الفلسطينيين ولا سيما في ممارسة أبسط شعائرهم الدينية بحرية".

وأضاف: "الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، والمسلم يحلم أن يؤدي هذا الفرض مرة واحدة في حياته، وهناك الآلاف من أبناء غزة ينتظرون منذ سنوات طويلة من أجل أداء هذه الفريضة".

واعتبر الحقوقي الفلسطيني حرمان أهل غزة من أداء هذه الفريضة انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان وحرية العبادة.

وقال: "يأتي ذلك في سياق جملة الانتهاكات التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، في أتون حرب الإبادة جماعية".

وأضاف: "العبادة ودور العبادة ومناسك العبادة ليست خارج الإبادة الجماعية، إسرائيل لم تترك مسجدا أو دارا للعبادة أو كنيسة إلا وقصفته، فهي قصفت المساجد والكنائس على رؤوس المصلين".

وتابع الحقوقي الفلسطيني مستعرضا تلك الانتهاكات: "حتى في القدس إسرائيل تنتهك حقوق العبادة ولا تسمح بحرية العبادة من خلال التضييق على المصلين في المسجد الأقصى وغيره من المساجد".

وشدد زقوت على أن ما يجري في مدينة القدس من تدنيس للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية وحرمان المسلمين من أداء مناسكهم والصلاة في مساجدهم سياسة منظمة.

وقال: "الاحتلال لا يحترم معايير حقوق الإنسان، وهذا الأمر أصبح لا نقاش فيه بعد قرار محكمة الجنايات الدولية في إصدار مذكرة للقبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالانت، وبعد قرارات محكمة العدل الدولية بخصوص الحرب على غزة".

وأضاف: "أصبح واضحا أن الحرب التي ترتكب وجرائم الحرب التي ترتكب تأتي في سياق منظم لا يستثني حقا من حقوق الإنسان أو قاعدة من قواعد القانون الدولي إلا وينتهكها".

وكشف نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان أن الأمر لا يقتصر على المسلمين فقط إنما ينسحب على المسيحيين أيضا، فهو يطول كل الفلسطينيين بمن فيهم المسيحيون.

وقال: "كما نتحدث عن هدم المساجد، أيضا قصفوا الكنائس والمستشفيات التابعة للكنيسة (المستشفى المعمداني)، وعلى مدار الوقت كانوا يحرمون المسيحيين في قطاع غزة من الوصول إلى كنيسة المهد وكنيسة القيامة في الضفة الغربية خلال فترة أعياد الميلاد من أجل أداء مناسكهم وطقوسهم الدينية".

وأكد محمد رجب مدير مؤسسة أسر الشهداء والجرحى شمال قطاع غزة والمشرفة على إدراج أسماء مكرمة خادم الحرمين الشريفين لأهالي الشهداء والأسرى -وعددهم ألف حاج مناصفة بين غزة والضفة الغربية- جاهزيتهم لسفر الحجاج في حال توفرت الأجواء المناسبة.

محمد رجب

وقال رجب لـ"جسور بوست": "نحن في غزة جمعنا الأسماء بحسب آخر ما وصل إليه الدور في العام الماضي وأرسلنا الكشوف للضفة الغربية من أجل إرسالها للتفييز (الجوازات والتأشيرات)".

وأضاف: "من غير المعروف في ظل الأوضاع القائمة وسيطرة القوات الإسرائيلية على معبر رفح هل يتمكن أهالي الشهداء والأسرى من السفر أم لا".

وأوضح رجب أنه إذا خرجت القوات الإسرائيلية من المعبر قبل 5 أيام من وقفة عرفة من المعبر فمن الممكن أن يلحق الوفد بموسم الحج وإذا بقيت في المعبر لن يكون لهم حج هذا العام.

وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة ناشدت في بيان لها صدر في (22/ 5) مصر والسعودية الضغط على جميع الأطراف لفتح معبر رفح لتمكين سكان غزة من أداء شعيرة الحج.

واعتبرت منع الآلاف من مواطني غزة من أداء فريضة الحج انتهاكا واضحا لحرية العبادة والقانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة حرب جديدة تضاف إلى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بتدمير 604 مساجد وإلحاق أضرار بليغة بـ200 مسجد آخر، وقصف 3 كنائس خلال الحرب على غزة.

وطالبت بتسمية فوج الحج لأهالي قطاع غزة ضمن مكرمة العاهل السعودي لأهالي الشهداء والأسرى السنوية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية